الذكاء الاصطناعي في الباثولوجي: أكثر من مجرد ChatGPT مع صور

خلال السنوات الأخيرة أصبح مصطلح الذكاء الاصطناعي (AI) شائعًا للغاية، خصوصًا بعد انتشار أنظمة المحادثة مثل ChatGPT. وعندما نتحدث عن الذكاء الاصطناعي في علم الأمراض (Pathology)، يظن بعض الزملاء أن الأمر ببساطة يعني:
📸 تصوير الشريحة المرضية بالموبايل ثم إرسال الصورة إلى تطبيق مثل ChatGPT للحصول على التشخيص.

لكن هذا اعتقاد خاطئ تمامًا، وسأوضح في هذا المقال لماذا.




أولًا: ما هو ChatGPT وما مجاله؟

ChatGPT هو نموذج لغوي (Language Model) تم تدريبه على كميات هائلة من النصوص من الإنترنت.

وظيفته الأساسية: التعامل مع الكلمات واللغة. يمكنه أن يكتب نصوصًا، يجيب على الأسئلة، يترجم، أو يلخص المقالات.

أي أنه يتعامل مع النصوص فقط، ولا يمتلك خبرة طبية خاصة بالشرائح النسيجية أو الصور المرضية.





ثانيًا: كيف يختلف الذكاء الاصطناعي في الباثولوجي عن ChatGPT؟

الذكاء الاصطناعي في الباثولوجي ليس “نموذج محادثة”، بل هو نماذج متخصصة للرؤية الحاسوبية (Computer Vision). هذه النماذج تم تدريبها على:

مئات الآلاف أو ملايين من الشرائح النسيجية الرقمية (Whole Slide Images).

بيانات مرضى مصنّفة بعناية من قبل باثولوجست خبراء.

أنماط دقيقة جدًا في الأنسجة، لا يمكن إدراكها من صورة صغيرة أو لقطة هاتف.


الفارق الجوهري:

ChatGPT = ذكاء اصطناعي لغوي (يعالج النصوص).

نماذج الباثولوجي = ذكاء اصطناعي بصري (يعالج الصور النسيجية الرقمية).





ثالثًا: كيف يعمل الذكاء الاصطناعي في الباثولوجي عمليًا؟

1. تحويل الشريحة إلى صيغة رقمية

يوضع السلايد الزجاجي في جهاز خاص يُسمى Slide Scanner.

يقوم هذا الجهاز بعمل مسح كامل للشريحة بدقة ميكروسكوبية، لينتج صورة رقمية عالية الجودة تسمى Whole Slide Image (WSI).



2. عرض الشريحة الرقمية

تُفتح الشريحة على الحاسوب، حيث يمكن للطبيب أن يتنقّل فيها ويكبّر ويصغّر كما لو كان يستخدم ميكروسكوبًا حقيقيًا.

الفرق أن كل شيء أصبح رقميًا: لا خوف من كسر السلايد أو ضياعها، ويمكن مشاركتها بسهولة عبر الإنترنت.



3. تشغيل خوارزميات الذكاء الاصطناعي

تأتي هنا وظيفة النماذج المتخصصة.

تقوم هذه الخوارزميات بـ:

تحديد مناطق الاشتباه (مثل بؤر السرطان).

عدّ الخلايا بدقة (مثل الخلايا الليمفاوية أو الميتوزات).

المساعدة في تحديد درجة الورم أو نسبة المستقبلات.


لا تُعطي تشخيصًا جاهزًا للطبيب، بل تعمل كمساعد رقمي يبرز له أهم التفاصيل ويوفر وقتًا وجهدًا.







رابعًا: ما هي الفوائد العملية؟

التشخيص الأسرع: توفير وقت الطبيب من خلال التركيز على المناطق الحرجة.

الدقة الأعلى: الكشف عن تفاصيل قد يغفل عنها العين البشرية بسبب التعب أو ضيق الوقت.

الأرشفة والتعليم: حفظ الشرائح رقمياً للأبحاث، التعليم، والمراجعة المستقبلية.

التعاون: مشاركة الشرائح بسهولة بين الأطباء والمراكز الطبية حول العالم.





خامسًا: هل سيستبدل الذكاء الاصطناعي الباثولوجست؟

هذا سؤال يثير الجدل دائمًا. الحقيقة أن الذكاء الاصطناعي الحالي صُمم ليكون:
✅ مساعدًا للطبيب (Digital Assistant)
وليس بديلاً عنه.
القرار التشخيصي النهائي سيبقى دومًا بيد الباثولوجست، لكن وجود هذه الأدوات سيجعل عمله أسرع، أدق، وأكثر أمانًا للمريض.




الخلاصة

الذكاء الاصطناعي في الباثولوجي ليس ChatGPT، وليس مجرد “إرسال صورة والحصول على جواب”.

إنه منظومة متكاملة تبدأ بتحويل الشرائح إلى صيغة رقمية، ثم استخدام خوارزميات متخصصة مدربة على بيانات ضخمة لفهم الأنسجة والخلايا.

الهدف ليس إلغاء دور الباثولوجست، بل تمكينه من إنجاز عمله بكفاءة ودقة أعلى.


💡 وبذلك يصبح المستقبل واضحًا: الباثولوجست + الذكاء الاصطناعي = تشخيص أسرع، أكثر دقة، وأكثر فائدة للمريض.

Write a Comment

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *