في السنوات الأخيرة، كثر الحديث عن التحول الرقمي في مختلف مجالات الرعاية الصحية، وكان لعلم الأمراض نصيبٌ كبير من هذه المناقشات، خاصة مع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي وتقنيات تحليل الصور الطبية.
غالبًا ما تُطرَح الأسئلة التقليدية:
- هل الرقمنة تجعل التشخيص أسرع؟
- هل توفر في التكلفة؟
- هل ترفع مستوى الدقة؟
لكن ما أراه من تجربتي في الميدان، خاصة في بيئات ذات موارد محدودة، أن هذه الأسئلة قد لا تكون هي الأهم. في الواقع، التحول الرقمي لا يجيب فقط عن هذه الأسئلة، بل يطرح سؤالًا أعمق وأخطر: “هل نستطيع الاستمرار بدون هذا التحول؟”
التحول الرقمي ليس ترفًا… بل ضرورة
في مختبرات كثيرة تعاملتُ معها، التحديات ليست تقنية بقدر ما هي تنظيمية وبنيوية:
- ضياع الشرائح بين الأقسام، بسبب غياب الأرشفة.
- تأخر إصدار التقارير نتيجة تراكم الحالات وصعوبة الفلترة.
- الاعتماد الكامل على أخصائي أو اثنين لتشخيص مئات العينات أسبوعيًا.
- نقص كبير في التوثيق والمراجعة، ما يجعل الأخطاء محتملة والخسائر مأساوية.
هذه ليست مشاكل يمكن حلها بزيادة عدد الموظفين فقط، أو بإضافة جهاز جديد هنا أو هناك. إنها مؤشرات على نظام يقترب من حافة الانهيار.
وهنا تأتي أهمية التحول الرقمي، ليس لأنه أكثر حداثة أو “أنيق”، بل لأنه أداة لإنقاذ المنظومة من الانهيار.
ما الذي يغيره التحول الرقمي فعليًا؟
- إتاحة التشخيص عن بُعد: يمكن مشاركة الشريحة رقمياً مع طبيب في محافظة أو دولة أخرى خلال دقائق.
- أتمتة الفرز والتصنيف: يمكن للذكاء الاصطناعي فرز الحالات حسب الأولوية، وتوجيه انتباه الطبيب.
- تسريع زمن التقرير: تقنيات العرض والبحث الرقمية تقلل وقت التشخيص.
- منع ضياع البيانات: الأرشفة الرقمية تحفظ كل معلومة ويمكن الرجوع إليها لاحقًا.
- إعادة بناء الثقة: عندما تُوثق كل خطوة، تعود الثقة بين الطبيب والمريض والنظام.
وماذا عن التكاليف؟
من الطبيعي أن يُطرح سؤال: “هل هذا مكلف؟”
نعم، في البداية. لكن التكلفة الحقيقية ليست في الأجهزة، بل في ضياع الوقت، وتأخر التشخيص، والأخطاء التي لا تُكتشف إلا بعد فوات الأوان.
وفي كثير من الأحيان، يمكن إيجاد حلول منخفضة التكلفة باستخدام أدوات مفتوحة المصدر، وتعاون بين فرق متعددة التخصصات.
الخلاصة: المسألة ليست رفاهية تقنية
التحول الرقمي في علم الأمراض لا يجب أن يُقاس فقط بسرعة الأداء أو تقليل الكلفة.
في بعض الحالات، قد لا يكون أسرع. وقد لا يكون أرخص. وقد لا يكون أكثر دقة.
لكنه في بيئاتنا الخيار الوحيد المتاح للحفاظ على جودة التشخيص ومنع الانهيار الكامل للنظام.
هذا التحول لا يهدف إلى استبدال البشر، بل إلى دعمهم، وتمكينهم، وحمايتهم من الانهيار تحت الضغط.
🔍 سؤال مفتوح:
كيف ترى مستقبل علم الأمراض في منطقتنا؟ هل تعتقد أن المختبرات مستعدة لهذا النوع من التحول؟ أم ما زالت العقبات التقنية والمالية والإدارية أكبر من أن تُحل بسهولة؟