الذكاء الاصطناعي في الباثولوجي: من الخيال إلى الواقع



في السنوات الأخيرة، أصبح من الواضح أن الذكاء الاصطناعي (AI) لم يعد مجرد فكرة مستقبلية في الطب. اليوم، هو يغيّر بالفعل طريقة ممارسة الباثولوجي، من تشخيص السرطان إلى تحسين سير العمل داخل المختبرات.

إحدى أبرز المحاضرات الأخيرة كانت للبروفيسور ديفيد كليمسترا من جامعة ييل (وأحد مؤسسي Paige AI)، الذي أوضح كيف أن الذكاء الاصطناعي لا يغيّر فقط الجانب العلمي للباثولوجي، بل يفتح أيضاً آفاقاً جديدة على مستوى الاستراتيجية والأعمال.

كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي التشخيص؟

في سرطان البروستات: خفضت الأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي معدلات الخطأ بنسبة تصل إلى 70%، وزادت من دقة التشخيص حتى بين الأطباء ذوي الخبرة المحدودة.

في سرطان الثدي: أصبح بالإمكان التعرف على الأورام الغازية، فرط التنسج atypia، والآفات داخل القنوات بدقة عالية، مع تسريع المهام الصعبة مثل عدّ الانقسامات الميتوزية والكشف عن النقائل في العقد اللمفاوية.


هنا نرى بوضوح أن الهدف ليس استبدال الباثولوجي، بل تعزيز عمله عبر تقليل التباين، رفع السرعة، وتقديم نتائج أكثر اتساقاً.

الرقمنة هي البوابة

الشرائح الزجاجية وحدها لا تكفي. الطريق نحو الذكاء الاصطناعي يبدأ بـ الباثولوجي الرقمي: مسح الشرائح وتحويلها إلى صور عالية الدقة قابلة للأرشفة، المشاركة، والتحليل الحسابي.
لكن التحديات ما تزال قائمة:

تكلفة الماسحات الرقمية.

غياب التعويض المالي (reimbursement).

ضعف التكامل بين الأنظمة المختلفة.


بدون تجاوز هذه العقبات، سيظل تطبيق الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع محدوداً.

الأثر العملي داخل المختبر

تشير دراسات “الوقت والحركة” أن الباثولوجيين يقضون ثلث وقتهم في مراجعة الشرائح وثلث آخر في كتابة التقارير. أنظمة الذكاء الاصطناعي قادرة على تقليص الوقت غير المنتج، وترك مساحة أكبر للطبيب ليتفرغ للقرارات التشخيصية المعقدة.

على سبيل المثال:

مراجعة العقد اللمفاوية في حالات سرطان الثدي تقلّص وقتها إلى النصف بفضل AI.

في خزعات البروستات، انخفضت معدلات الحالات الفائتة بشكل ملحوظ مع تحسن التجانس بين الأطباء العامّين والمتخصصين.


فرص جديدة للأعمال

الذكاء الاصطناعي لا يقدم فقط حلولاً للتشخيص، بل أيضاً فرصاً اقتصادية:

اكتشاف مؤشرات حيوية (biomarkers) مباشرة من شرائح H&E بدلاً من الاختبارات الجزيئية المكلفة.

تصنيف أنماط نادرة من الأورام لدعم الطب الشخصي.

المساهمة في التجارب السريرية عبر اختيار المرضى المناسبين.


ومع ظهور النماذج التأسيسية (Foundation Models)، سيصبح تطوير هذه التطبيقات أسرع وأقل كلفة، وغالباً سيكون متاحاً كتحديث برمجي بدلاً من استثمارات ضخمة.

ما الذي يجب على إدارات الباثولوجي فعله؟

الاستثمار في البنية التحتية الرقمية (scanners + LIS متكامل).

تقييم أنظمة AI من حيث الدقة، التكامل، والامتثال التنظيمي.

متابعة سياسات التعويض والتأمين.

إشراك الكادر مبكراً لبناء الثقة وتبديد المخاوف.

التفكير في خطوط خدمات جديدة مثل الاستشارات عن بُعد أو الاختبارات المتقدمة.


الخلاصة

السؤال لم يعد: “هل سيدخل الذكاء الاصطناعي مجال الباثولوجي؟” بل: “من سيكون مستعداً للاستفادة منه أولاً؟”

الباثولوجيون الذين يتبنون هذه الأدوات لن يستبدلوا بآلات، لكنهم سيصبحون أكثر دقة، سرعة، وقيمة في نظام صحي يتجه نحو البيانات والذكاء الاصطناعي.

المستقبل ما زال يعتمد على الخبرة البشرية، لكن النجاح سيكون حليف من يعرف كيف يستخدم الذكاء الاصطناعي كـ شريك استراتيجي لا كخصم.